من ملف : القائد الأممي
الإثنين 4 كانون الثاني 2021
منذ تأسيسها في أواخر ثمانينيات القرن الماضي كحركة مقاومة فلسطينية ضدّ الكيان الصهيوني، عانت «حماس» من عدّة أنواع من التجاذبات الداخلية. أول تلك التجاذبات، أنّها في الوقت ذاته حركة شعبية جماهيرية (مع ما يتطلّبه ذلك من تعاون / تعامل واقعي مع منظمة التحرير الفسلطينية أولاً ثم السلطة الفلسطينية لاحقاً) وحركة كفاح مسلّح أيضاً (بما يقتضيه ذلك من سرية التنظيمات الثورية واعتباراتها الأمنية). التجاذب الثاني، كان بين كونها حركة وطنية (فلسطينية) وحركة إسلامية (انبثقت من رحم «الإخوان المسلمين»). وثالث التجاذبات، كان يتعلّق بالموقف من النظام الرسمي العربي (وبالتحديد أنظمة مصر والأردن والسعودية) في مقابل العلاقة مع إيران.
وفي ضوء تلك التجاذبات والعوامل، سارت «حماس» على مدى أكثر من 25 سنة. وبناءً عليها، يمكن فهم التناقضات والمواقف المتضاربة التي اتخذتها الحركة سواء في الداخل الفلسطيني أو على المستوى الإقليمي. بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين في عام 2004، وظهور خالد مشعل كقائد «رسمي» للحركة، ازداد الميل الحماسي للتعامل الإيجابي مع النظام الرسمي العربي، وخصوصاً مع استقراره في قطر. بذل مشعل جهوداً كبيرة للتقارب مع السعودية، وسعى لإقناعها بجاهزية «حماس» لقبول الرعاية السعودية كبديلٍ للسلطة الفلسطينية، أو على الأقل إلى جانبها. ولكنّ مجهودات مشعل لم تثمر واصطدمت بتعنّت شديد، خصوصاً من طرف الأمير سعود الفيصل وإصرارٍ من السعودية على ضرورة قطع العلاقة مع إيران، أي أنهم وضعوه في خانة إما نحن أو إيران! وكذلك مع مصر، حاول مشعل كثيراً مع نظام حسني مبارك لكي يظهر له حسن النية والجاهزية للتعاطي بإيجابية مع الملاحظات والمطالب المصرية، وذلك بهدف التعامل مع «حماس» كشريك وطرف سياسي مقبول، ولكن جهود مشعل قوبلت بالصد ووصلت إلى حائط مسدود مع إصرار مصر على التعامل مع «حماس» على أساس «أمني»، ووضع ملفّها كاملاً بأيدي المخابرات المصرية، وليس وزارة الخارجية. ومع الأردن أيضاً، فشلت جهود خالد مشعل نظراً إلى حساسية جهاز المخابرات تجاه علاقة «حماس» بـ«الإخوان المسلمين» الأردنيين، وثبات السياسة الأردنية على مبدأ الدعم والشراكة مع السلطة الفلسطينية في عملية السلام (استخدمت الأردن العلاقة مع «حماس» كورقة في علاقتها مع سلطة عباس في رام الله تستعملها إذا اقتضت الحاجة من حين لآخر). باختصار، وجدت «حماس» صدّاً وردّاً ورفضاً من النظام العربي، وشروطاً تعجيزية، رغم كلّ محاولاتها وجهودها لنيل الرضا الرسمي.
وهنا ظهر رجب طيب إردوغان. بحلول عام 2009، شعر إردوغان أنه صار يمتلك من القوة داخل تركيا بما يمكنه من تغيير سياساتها وتحالفاتها الخارجية. وعندما بدأ يطلق سهامه السياسية تجاه إسرائيل ويتكلّم عن القدس وفلسطين، وجدت «حماس» متنفّساً كبيراً لها، خصوصاً مع «سنّية» إردوغان وعلاقاته الإخوانية القديمة. اندفعت قيادة «حماس» نحو إردوغان إلى أقصى مدى، بشكل متهوّر يمكن القول، حتى ارتكبت خطأها الأكبر عندما قرّرت قلب ظهر المجنّ لسوريا والانقلاب على إيران. في الفترة ما بين عامَي 2011 و2013، دخلت «حماس» طرفاً في الأزمة السورية، داعمة للمعارضة الساعية لإسقاط النظام، مدفوعة بجذورها الإخوانية وبموقف إردوغان ومتشجّعة بصعود محمد مرسي في مصر. كان ذلك الموقف طعنة في ظهر سوريا وخيانة لإيران.
قرّر سليماني بتوجيهات من القيادة العليا للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن يغضّ النظر عن خطأ قيادة «حماس»
الجناح العسكري في «حماس»، «كتائب القسام»، كانت له دائماً أولوياته واعتباراته التي لا تتطابق بالضرورة مع قيادة خالد مشعل وسياساته العربية ومبادراته ومناوراته. لم تكن الدول العربية في وارد تقديم أيّ دعم عسكري على الإطلاق (بل كانت واقعاً في الخندق الآخر، الإسرائيلي، عندما يتعلّق الأمر بالمقاومة المسلّحة و«كتائب القسام»). وحتى تركيا إردوغان كانت تعرف حدودها، فاكتفت بالكلام السياسي والإعلامي، ولم تقترب أبداً من النواحي العسكرية لدعم القضية الفلسطينية.
الشهيد قاسم سليماني، بتوجيهات من القيادة العليا للجمهورية الإسلامية الإيرانية، قرّر أن يغضّ النظر عن خطأ قيادة «حماس» (أو خطيئتها بالأحرى) ومكتبها السياسي، وأن يستمرّ في البرنامج الاستراتيجي الذي أطلقه من سنين طويلة والهادف إلى تحويل «حماس» في غزّة إلى قوّة عسكرية حقيقية قادرة على مواجهة إسرائيل وتحدّيها، بل والتغلّب عليها، على نموذج حزب الله في لبنان. مبكراً جداً، دخل الشهيد سليماني على خط المقاومة في غزّة، متبنّياً التنظيمات المسلّحة، وأهمّها وأكبرها «كتائب القسام»، وداعماً لها تقنياً وفنياً، بالسلاح والعتاد، ولوجستياً ومادياً. سخّر الحاج قاسم إمكانيات إيران في هذا الاتجاه، فصارت تؤتي أُكلها وبدأت قدرات جديدة ومتطوّرة بالظهور في أيدي المقاومين الفلسطينيين، أنظمة صواريخ يزداد مداها يوماً عن يوم، قنابل وألغام متطوّرة، قدرات بحرية وحتى جوية! والأهم هو التأهيل والتدريب ونقل الخبرات من أجل ضمان الاستمرارية والقدرة على التصنيع والإنتاج. لم يتعامل الحاج قاسم مع «حماس» بمنطق ردّ الفعل، فلم يوقف برنامج الدعم العسكري لـ«كتائب القسام» ولم يطلب من «حماس» شيئاً، ولا ضغط عليها ولا ساومها لأجل تغيير موقفها السياسي من الأزمة في سوريا.
تعامل الشهيد سليماني مع «حماس» بمنتهى الصبر والهدوء، فلم يعاقبها بسبب «خيانتها» في سوريا وتجاهل، بثقة العالم العارف، خالد مشعل ومكتبه السياسي، وكأنّ شيئاً لم يكن. كانت القضية أكبر من الأشخاص عند قاسم سليماني، وفلسطين مسألة مبدأ وأكبر من خالد مشعل بل من «حماس» كلّها. إنها عقيدة الجمهورية الإسلامية غرسها الإمام الخميني في نفوس قاسم سليماني ورفاقه: إسرائيل غدّة سرطانية ولا بدّ أن تزول، وسوف تزول!
سرعان ما أدركت «حماس» خطأها. فمع صمود سوريا وفشل خطط إسقاط النظام فيها، وجدت قيادة «حماس» نفسها في مهبّ الريح، وخصوصاً مع إقرار إردوغان واعترافه بهزيمة مشروعه في سوريا، عام 2016. فلا النظام الرسمي العربي معها، ولا انتصر «الإخوان المسلمون» في مصر أو سوريا، وقد أبعدت نفسها عن إيران وأغضبتها، وكلّ ما حصدته من مغامرتها السورية هو الفشل والخيبة والظهور بمظهر الغادر الناكر للجميل. فكان التغيير الحتمي. توارى خالد مشعل ورموز مكتبه السياسي خلف الأضواء، واضطرّوا لإفساح المجال لصعود القيادة الجديدة في «حماس»، قيادة العمل العسكري و«كتائب القسام»، لتتسلّم زمام الأمور في غزة، ممثّلة بشخص المناضل العتيد والعنيد يحيى السنوار الذي لن يسمح بعد الآن للسياسيين «بالعبث» في إنجازات «حماس» العسكرية التي تحقّقت بفضل إيران وبالذات الشهيد قاسم سليماني. لا يبالي يحيى السنوار بغضب من يغضب ولا يداري، بل قالها علناً وعلى رؤوس الأشهاد: كلّ ما حقّقناه من قدرات عسكرية كان بفضل إيران ودعمها.
سوف يوجد دائماً في صفوف «حماس» وقاعدتها الشعبية من يعادون إيران على أسس مذهبية، وسوف لن تتوقف الأصوات التي تتحدّث عن الشيعة والسنّة، ولكن لن تكون لهم الكلمة بعد اليوم. تعلّمت «حماس» درسها ولن تغادر محور المقاومة بعد الآن، والفضل كلّ الفضل للشهيد قاسم سليماني.
قالها إسماعيل هنية في طهران ثلاثاً: شهيد القدس، شهيد القدس، شهيد القدس!
* كاتب وباحث من الأردن
فيديوات متعلقة
مقالات متعلقة
- أن تدرك متأخّراً خير من العيش بالوهم
- تحت مظلة سليماني.. كيف عبر السلاح إلى فلسطين المحتلة؟
- Where is Palestine in the “Muslim Brotherhood” constants from Egypt to Tunisia, Turkey and Syria? أين فلسطين في ثوابت “الإخوان المسلمين” من مصر إلى تونس وتركيا وسوريا
- History Will Show No Mercy for Arab Traitors to Palestine – Hamas Leader
- Haniyah to Al-Manar: Hamas “Part of Axis of Resistance in Face of Israeli Enemy”
- Senior Hamas official: ‘Qasim Soleimani gave us everything Iran has to offer’
- Hamas Accuses Palestinian Authority of Aiding Zionist Entity to Kill Top Resistance Commander
- Hamas: Iran Provided Palestinian Resistance with Weaponry & Money
- Syrian media denies relations with Hamas, claims Muslim Brotherhood links
- Iran Is Working To Restore Hamas Ties With Damascus – Report
- Hamas Hails Iran’s Financial Support to Families of Gaza Protests Martyrs & Injured
- Hamas to re-join the ‘Axis of Resistance’
- Is Hamas returning to Tehran and Damascus???
- LOSING HAMAS IS SEARCHING NEW SPONSORS
- Haniya Elected New Head of Hamas – Islamic Jihad Rejects Palestine State within 1967 Borders
- Hamas document and Abbas’s visit وثيقة حماس وزيارة عباس
- Yahya Sinwar Elected Hamas’ Gaza Chief
- The shameful traitors of Hamas show once again to be a bullhorn on the payroll of Erdogan-Saudis
- Hamas mourns Terrorist Zahran Aloush
- Hamas [shameful gang, lollipop for tyrants of the Gulf] welcomes Erdogan win in Turkey ~ [Eng/Fra Excerpts/Reports]
- Terrorist admits Hamas has key role in training terrorist groups in Syria
- Naser Kandil; 60 Minutes on Hamastan Truce, trash spring and the Terrorists war on Syria, Iraq and Egypt
- Hamas, Zionist Entity and the Long Truce
- Hamas arrested Gaza rocket launchers, and Israel president wouldn’t rule out Hamas talks
- Reported Hamas/Israeli Talks: Hold the Cheers
- Hamas Inches Toward Return to the Resistance Axis
- Significant differences between Hamas wings explode خلافات كبيرة تنفجر بين جناحي حماس المؤيد لإيران والآخر المقيم بقطر
- Thanks Iran: Hamas in Its 27th Anniversary and its Story with Syria
- HAMAS: “WE SEEK TO ENHANCE HISTORIC RELATIONS WITH IRAN” ايران وحماس _ النوافذ المفتوحة
- Washington lifts ban on Hamas? واشنطن ترفع الحظر عن حماس؟
- Interview with former Hamas Foreign Minister Mahmoud al-Zahar
- Gaza: Occupation forces fail to assassinate Hamas commander Mohammed al-Daif
- Hamas’ military wing to political leaders: we have the final say
- Ahmed Jibril: On the Nakba called “the Arab Spring”, Hamas Betrayal and Palestinian reconciliation
- Hamas Joke: Al-quds waiting for “men”, the half-men fighting Syria
- Hamas and the axis of resistance: the return journey of the Prodigal Son
- Hamas still “resisting” … in the Yarmouk refugee camp
- Al-Assad: Geneva 2 might Not Be Held, Hamas Betrayed Us,
- Evidence of Hamas Fighting the Syrian Arab Army
- Hezbollah and Hamas Still Not Ready to Meet Face-to-Face
- Hamas Politburo on the Road Again التغريبة الحمساوية على طريق الخروج من قطر
- What is the future of Hamas after Morsi dislocation? ما هو مستقبل حماس بعد عزل مرسي ؟
- Hezbollah and Hamas:Loyality VS betrayal
- The Hamas-Hezbollah Split on the Syrian War
- Hamas military wing training FSA in eastern Damascus.
- O Hamas guys …Hamas needs a revolution .. Vedio added
Filed under: Egypt, Iran, Palestine, War on Syria | Tagged: Al-Qassam Brigades, American “Muslim” Brotherhood, Erdogan, Hamas, Khaled Mishaal, KSA, PA, Qassem Suleimani |