صراع الإمبراطوريات في كلمة شي ومقال جو بايدن

Posted on by Amro Allan عمرو علان

صراع الإمبراطوريات في كلمة شي ومقال جو بايدن

عربى 21-الرئيسية

عمرو علان  جريدة الأخبار الجمعة 4 كانون الأول 2020

تجدر المقارنة بين ما جاء في كلمة الرئيس الصيني شي جين بينغ التي ألقاها في قمة منظمة شانغهاي العشرين الأخيرة وبين ما جاء في مقال الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن الذي أعادت نشره مؤخرا مجلة (فورن أفيرز)، والذي حدد فيه جو بايدن أهم ملامح سياساته إذا ما اُنتخب رئيسا سادسا وأربعين للولايات المتحدة الأمريكية. 

رسم الرئيس شي جين بينغ في كلمته صورة عن طبيعة السياسات الخارجية الصينية ومحدداتها، وكان أهمها التشديد على فكرة التعددية القطبية في إدارة شؤون العالم تحت مظلة المنظومة الدولية في مواجهة الأحادية القطبية، وركزت الكلمة على وجوب دعم جهود الدول لتحقيق أجنداتها المحلية بما يؤمن استقرارها السياسي والاجتماعي الداخلي، مع التشديد على رفض تدخلات القوى الخارجية في الشؤون الداخلية لدول منظمة شانغهاي تحت أي ذرائع كانت، وأكد الرئيس الصيني في كلمته على أن الحضارات الإنسانية متكافئة لا أفضلية لإحداها على الأُخرى، وأن لكل منها ما يميزها، وأكد كذلك على ضرورة تشجيع التعارف فيما بين الحضارات الإنسانية، بالإضافة إلى تدعيم علاقات حسن الجوار والصداقات فيما بين الدول، وأضاف الرئيس شي جين بينغ أن الصين لا يمكنها تحقيق التطور بمعزل عن العالم، وبأن العالم يحتاج الصين لتحقيق الرخاء داعيا الجميع إلى البناء على حركة النمو الصينية والإفادة منها، ولعله استند في دعوته تلك إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية وإلى ما وصل إليه حجم الاقتصاد الصيني ومعدلات نموّه مقارنة باقتصادات دول العالم الأخرى، ولا تختلف هذه المحددات التي عرضها الرئيس الصيني في جوهرها عما جاء عليه البيان الختامي للقمة المنعقدة الذي يمثل سياسات دول منظمة شانغهاي عموماً.

بينما نجد أن الفكرة الأبرز التي وردت في مقال جو بايدن المُشار إليه، الذي جاء تحت عنوان “لماذا يجب على أمريكا أن تقود مجدداً”، هي عزمه خلال السنة الأولى من حكمه على عقد قمة دولية، يدعو إليها زعماء تلك الدول التي تعدها أمريكا ديموقراطيات ودول “العالم الحر”، وهذه التصنيفات حسب ما بات معروفاً تعني في القاموس الغربي الدول الاستعمارية في الأصل، وبعض الدول الأخرى التي ترتضي الدوران في الفلك الأمريكي، وسيتم أيضاً دعوة منظمات المجتمع المدني إلى تلك القمة، وهذه المنظمات تعد الأداة المفضلة لدى أجهزة الاستخبارات الغربية والأمريكية للعبث في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة وإثارة حالة عدم الاستقرار السياسي، وتهدف هذه القمة حسب المقال إلى مواجهة النظم “الأوتوقراطية”، وتدعيم الديموقراطية وترسيخ نشر الأفكار الليبرالية التي باتت مهددة على حد قول بايدن، ويضيف المقال بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستأخذ مقعدها الطبيعي على رأس الطاولة لتنظيم شؤون العالم، لأن ما دون ذلك يمكن أن يغرق العالم في الفوضى على حد زعم بايدن، ويتعهد الرئيس المنتخب جو بايدن في المقال بالآتي: “كرئيس، سآخذ خطوات فورية لتجديد ديموقراطية الولايات المتحدة الأمريكية وتحالفاتها، وأحمي مستقبل الاقتصاد الأمريكي، وأعيد أمريكا لقيادة العالم مجدداً”.

يمكن بسهولة ملاحظة النبرة الاستعمارية في لغة مقال بايدن اتجاه دول العالم واتجاه ثقافات وحضارات الأمم الأخرى، وتنسجم هذه اللغة مع تاريخ تعامل الإدارات الأمريكية المتعاقبة والغرب الاستعماري عموماً مع الآخر، والفرق جلي بين خطاب مجموعة منظمة شانغهاي الذي يدعو الحضارات البشرية إلى التعارف فيما بينها، وبين خطاب أمريكي غربي يسعى إلى فرض أيدولوجيته الليبرالية على سائر شعوب الأرض، ولا جديد في هذا، لكن اللافت كان في دعوة الرئيس الصيني في كلمته الدول الأخرى إلى الاستثمار في الفرص الاقتصادية الصينية، مما سيساعد تلك الدول على تحقيق الرخاء كما قال، بينما انصرف بايدن في مقاله إلى الحديث عن أهمية الأيدولوجيا الليبرالية وضرورة مواجهة الدول التي لا تعتنق الليبرالية منهجاً كالصين أو تلك التي عدها تشكل تهديداً للبرالية كروسيا بوتين،دون أن يتحدث عن مغريات اقتصادية لتلك الدول التي ستتبنى الفكر الليبرالي والصيغة الديموقراطية بالمفهوم الغربي في إدارة نُظُمِها الاجتماعية والاقتصادية، أو تلك الدول التي ستنضم للولايات المتحدة الأمريكية في ما يشبه الحرب العقدية لنشر الفكر الليبرالي حول العالم، وقال بايدن أن الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها الديموقراطيين يشكلون نصف اقتصاد العالم، وأن هذا رقم لا يمكن للصين تجاهله فيما يعد تلميحاً إلى العقوبات الاقتصادية، واللافت في هذا خلو الخطاب الأمريكي من الوعود بالرفاه الاقتصادي والرخاء للدول التي تسعى إلى قيادتها في حملتها المزمعة على خصومها في الصين وروسيا وعلى تلك الدول الأخرى التي تشق عصا الطاعة على الهيمنة الأمريكية، بينما كان يقدم الخطاب الأمريكي مثل هكذا وعود إلى جانب الخطاب الأيديولوجي في العقود الماضية خلال فترة مواجهة المعسكر الاشتراكي والحرب الباردة سابقاً، ولعل هذا يعكس حقيقة التراجع في الاقتصاد الأمريكي في هذه الحقبة. 

يمكن أن تضيء هذه المقارنة المقتضبة بين خطاب الرئيس الصيني وبين مقال جو بايدن على بعض أوجه الاختلاف بين المرحلة الحالية وبين مرحلة الحرب الباردة إبان حقبة الاتحاد السوفيتي، ولعل هذه المقارنة تساعد على رسم تصور لاحتماليات مآلات المواجهة الحاصلة بين أمريكا والصين حالياً، ولكن يظل المرجح أن يهتز النهج الليبرالي مع اهتزاز عرش الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، ونتيجة لظهور تيارات عالمية قوية تعارض هذا النهج وتعارض دكتاتورية الغرب التي تحاول فرضه على باقي شعوب الأرض بغض النظر عن الموروث الثقافي والحضاري لتلك الشعوب، وكذلك نتيجة لظهور الآثار الهدامة لهذا النهج على المجتمَعات في ضرب مفهوم الأسرة، وتفكيك المنظومة الأخلاقية للمجتمع في مقابل حرية الفرد المنفلتة من كل الضوابط، ناهيك عن استنزاف الموارد الطبيعية لكوكب الأرض بسبب السياسات الاقتصادية المرتبطة بالنهج الليبرالي مما بات يهدد الوجود البشري ذاته. 

You can skip to the end and leave a response. Pinging is currently not allowed.

Leave a Reply

Powered by WordPress | Designed by: Premium WordPress Themes | Thanks to Themes Gallery, Bromoney and Wordpress Themes